
الخميس. . العاشرة مساء:
أوصلت والدتي وأختي الصغيرة إلى فرح جارتنا "أحلام". . ورجعت إلى مأتمي وحدي .
تربيت و"أحلام" منذ الصغر سويا، كنا نذهب إلى المدرسة معا ًوالى نفس الصف، وحينما أصبحنا بالإعدادية كنت أوصلها حتى مدرستها، أما في الثانوية فكنت أعود بها إلى منزلها ولكن بعد أن نتمشى فترة على كوبري "الجامعة" المؤدي للبيت. وحتى بعد أن دخلت كلية طب الأسنان، ودخلت هي معهد الموسيقى، كنت اذهب إليها ونعود سويا مشيا على الأقدام حتى البيت. . عدة كيلومترات كثيرة . . لكنها دقائق معدودة من الحب.
استمر هذا الحال حتى انتهت الدراسة. . وحب جارف لا ينتهي.
الجمعة. . الثالثة صباحاً:
لا يزال النوم يبعد عني أميالا، والفراش من تحتي تهلهل من اللف على السرير.
الجمعة . . السابعة صباحا:
نسيت أني لم أزل مستيقظا منذ البارحة وقمت من السرير "المفروم" من التقليب على نار السهر. . غسلت وجهي من أملاح الدموع الجافة . . وعدت ثانية إلى غرفتي.
"عمر"! . . "عمر" ! . . الإفطار يا ولدي.
الحمد لله . . لست جائعاً. . أكلت هما ً على طاولة الحزن. . وشربت دموعي كي لا تبلل ما تبقى من اليوم.
الجمعة. . الثانية عشر ظهرا ً:
"عمر"! . . "عمر"! . . الصلاة يا ولدي.
لم أفوت صلاة جمعة منذ كنت بالإعدادية. . فلتكن هذه المرة الأولى . . أليست هناك مرة أولى لكل شيء!
السبت. . الرابعة صباحا :
وكأن هناك اختراع جديد يسمى النوم. . لم أجربه بعد . . لا أدري كم ساعة بت مستيقظا.ً . لا يهم سوف أنام طويلا ً لاحقا. .
السبت . . السابعة صباحا:
انتهيت من روتين الاستيقاظ اليومي، ذهبت إلى غرفة أختي "أمل" ،مسحت على شعرها المكوي منذ ليلة الخميس. قبل خروجي إلى العمل أخذت كيس الإفطار من أمي ،قبلت يديها كما لم اقبلهما من قبل . . كانتا شديدتي الدفء على غير العادة.
ما بين منزلنا ومكان عملي – حارس أمن في فندق " من الآخر. . بواب " – كيلومترين أسيرهما توفيرا لأجرة الانتقال فمرتبي بالكاد يكفيني وحدي.
لا أدري لماذا تذكرت والدي الذي سافر إلى العراق منذ خمسة أعوام للعمل ولم يرجع ثانية بعدما تزوج عراقية. . يكتفي بإرسال مبلغا شهريا محترما ً. . "كتر خيره". يمكن لأني كنت احتاجه بجانبي عندما تقدمت لخطبة "أمل " منذ شهرين . .
قالت أمها لي : " اللي ماعهوش مايلزمهوش" . . وأبوها نظر لسقف الغرفة كأنه يبحث عن فتحة يهرب منها . . . ومني.
كذلك جال بخاطري أخي الأكبر "عبد الله"، اعتقلوه منذ ستة أشهر لأنه مشي في مظاهرة ضد البطالة والجوع والمرض. . لم نسمع منه أو عنه منذ اعتقاله.
سرت طويلا ولازلت في منتصف الطريق . . وصلت إلى كوبري الجامعة . . إلى منتصفه تقريبا. . تظهر كُلِّيتي من بعيد . . ومن الضفة الأخرى غاب منظر البيت . . تسمرت قدماي وأنا أرى النهر يفيض بالحياة من تحتي . . شريط حياتي مر أمامي كأنه فيلم سينما ممل شارف على الانتهاء . . .
أخرج محفظته والرسالة من جيبه ووضعهما في كيس الإفطار . ." سامحيني يا أمي" . . فك أزرار القميص . . وعانق النيل.
***
قال الرسول – عليه الصلاة والسلام-: " اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ ".
ارجو ان تكون رسالة "عمر" قد وصلت الجميع.
أوصلت والدتي وأختي الصغيرة إلى فرح جارتنا "أحلام". . ورجعت إلى مأتمي وحدي .
تربيت و"أحلام" منذ الصغر سويا، كنا نذهب إلى المدرسة معا ًوالى نفس الصف، وحينما أصبحنا بالإعدادية كنت أوصلها حتى مدرستها، أما في الثانوية فكنت أعود بها إلى منزلها ولكن بعد أن نتمشى فترة على كوبري "الجامعة" المؤدي للبيت. وحتى بعد أن دخلت كلية طب الأسنان، ودخلت هي معهد الموسيقى، كنت اذهب إليها ونعود سويا مشيا على الأقدام حتى البيت. . عدة كيلومترات كثيرة . . لكنها دقائق معدودة من الحب.
استمر هذا الحال حتى انتهت الدراسة. . وحب جارف لا ينتهي.
الجمعة. . الثالثة صباحاً:
لا يزال النوم يبعد عني أميالا، والفراش من تحتي تهلهل من اللف على السرير.
الجمعة . . السابعة صباحا:
نسيت أني لم أزل مستيقظا منذ البارحة وقمت من السرير "المفروم" من التقليب على نار السهر. . غسلت وجهي من أملاح الدموع الجافة . . وعدت ثانية إلى غرفتي.
"عمر"! . . "عمر" ! . . الإفطار يا ولدي.
الحمد لله . . لست جائعاً. . أكلت هما ً على طاولة الحزن. . وشربت دموعي كي لا تبلل ما تبقى من اليوم.
الجمعة. . الثانية عشر ظهرا ً:
"عمر"! . . "عمر"! . . الصلاة يا ولدي.
لم أفوت صلاة جمعة منذ كنت بالإعدادية. . فلتكن هذه المرة الأولى . . أليست هناك مرة أولى لكل شيء!
السبت. . الرابعة صباحا :
وكأن هناك اختراع جديد يسمى النوم. . لم أجربه بعد . . لا أدري كم ساعة بت مستيقظا.ً . لا يهم سوف أنام طويلا ً لاحقا. .
السبت . . السابعة صباحا:
انتهيت من روتين الاستيقاظ اليومي، ذهبت إلى غرفة أختي "أمل" ،مسحت على شعرها المكوي منذ ليلة الخميس. قبل خروجي إلى العمل أخذت كيس الإفطار من أمي ،قبلت يديها كما لم اقبلهما من قبل . . كانتا شديدتي الدفء على غير العادة.
ما بين منزلنا ومكان عملي – حارس أمن في فندق " من الآخر. . بواب " – كيلومترين أسيرهما توفيرا لأجرة الانتقال فمرتبي بالكاد يكفيني وحدي.
لا أدري لماذا تذكرت والدي الذي سافر إلى العراق منذ خمسة أعوام للعمل ولم يرجع ثانية بعدما تزوج عراقية. . يكتفي بإرسال مبلغا شهريا محترما ً. . "كتر خيره". يمكن لأني كنت احتاجه بجانبي عندما تقدمت لخطبة "أمل " منذ شهرين . .
قالت أمها لي : " اللي ماعهوش مايلزمهوش" . . وأبوها نظر لسقف الغرفة كأنه يبحث عن فتحة يهرب منها . . . ومني.
كذلك جال بخاطري أخي الأكبر "عبد الله"، اعتقلوه منذ ستة أشهر لأنه مشي في مظاهرة ضد البطالة والجوع والمرض. . لم نسمع منه أو عنه منذ اعتقاله.
سرت طويلا ولازلت في منتصف الطريق . . وصلت إلى كوبري الجامعة . . إلى منتصفه تقريبا. . تظهر كُلِّيتي من بعيد . . ومن الضفة الأخرى غاب منظر البيت . . تسمرت قدماي وأنا أرى النهر يفيض بالحياة من تحتي . . شريط حياتي مر أمامي كأنه فيلم سينما ممل شارف على الانتهاء . . .
أخرج محفظته والرسالة من جيبه ووضعهما في كيس الإفطار . ." سامحيني يا أمي" . . فك أزرار القميص . . وعانق النيل.
***
قال الرسول – عليه الصلاة والسلام-: " اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ ".
ارجو ان تكون رسالة "عمر" قد وصلت الجميع.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق